المادة    
يقول أهل الكلام: إنه لا دليل عَلَى صحة النبوة إلا المعجزة.
والمعجزة عند أهل الكلام هي: الأمر الخارق للعادة الذي يجريه الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى يد مدعي النبوة إثباتاً لصدقه لا غير.
وماذكره أهل الكلام فهو من تضييق الواسع، وهذا الدليل ليس هو كل الأدلة، بل هو جزء من كل، وقطرة من بحر، وفي دلائل النبوة ما يدل ويقطع لكل ذي لب أنه رَسُول الله، وإن لم يبلغه من ذلك إلا البعض.
  1. دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم لم تمت بموته

    فدلائل نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظاهرة، وأعلامها منشورة إِلَى قيام الساعة، لم تمت بموته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا بموت أصحابه، وإنما هي باقية مخلدة، وكل إنسان مؤاخذ ومخاطب بما جَاءَ من عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وما من أحد يسمع به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الأرض ثُمَّ لم يؤمن به إلا كَانَ من أهل النار، وذلك لظهور الحجة واستبانة المحجة، وهذا من فضل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ورحمته بالعالمين.
  2. دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم يعرفها العالم والجاهل

    إن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لما أرسل هذا الرَّسُول للناس كافة جعل آياته عامة لهم إِلَى قيام الساعة، وعامة للعالم منهم والجاهل، فالجاهل الأمي البدوي أو الفلاح القروي يجد في دلائل نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشيء الكثير ويفهمها ويستوعبها ويُقرُّ بِها.
  3. دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم أبهرت علماء الدنيا

    والعالم المتبحر - في أي علم - يجد فيها ما يبهره؛ فالمؤرخ يجد فيما جَاءَ به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أخبار التاريخ ما يذهل العقول ويحير الألباب، دون أن يكون هناك أي مصدر آخر لهذا الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ))[العنكبوت:48]، ومع ذلك يأتي بالآيات والأخبار عن الأمم الماضية التي لم يعرف المؤرخون كثيراً منها.
    وعالم الفلك يقرأ فيما جَاءَ به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العجائب ما لم يكن الفلك ولا علماؤه يعرفونه في ذلك الزمن، وربما فيما يستقبل من الزمان. وعالم الطب يجد فيما جَاءَ به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شفاء الأبدان، ومعالجة الأمراض ما تعجز عنه عقول البشر الذين تخصصوا في الطب وأفنوا أعمارهم فيه، وهكذا كل علم من العلوم حتى في علوم الرياضيات فإن ما جَاءَ به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا المجال في ذلك العصر، يُعجب منه، وأعظم من ذلك ما جَاءَ به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طرق ووسائل لإصلاح النفوس وتربيتها وتهذيبها.
  4. نجاح تربية النبي صلى الله عليه وسلم للأمة وفشل علماء الأخلاق في تربية الفرد

    فإن علماء الأخلاق والحكماء والآباء والمربين يعجزون أن يربوا فرداً واحداً تربية متكاملة، وأما هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد ربى أمة عظيمة، كانت أعظم الأمم جهلاً وأكثرها انحطاطاً في الحضارة، ثُمَّ أصبحت خير الأمم، وأصلحها، وأعدلها وأقومها بتمسكها بهديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما تزال إِلَى اليوم هي الأمة الوحيدة التي يمكن أن تحقق في العالم العدل والسلام والحق الذي ليس وراءه حق، فالمعجزات كثيرة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والدلائل عَلَى نبوته عظيمة.
  5. في كل صحابي آية تدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم

    في كل صحابي آية تدل عَلَى صدق الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    ففي كل واحد ممن أسلم من الصحابة آية، وفي كل فتح فتحوه، وفي كل حق وخير وعدل وسلام نشروه في الأرض آية تدل عَلَى أنه نبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن هذا الدين ما كَانَ ليفترى من عنده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا من عند أحد، وإنما هو تنزيل من عند الله العزيز الحكيم، الذي اصطفى هذا النبي وفضله عَلَى سائر العالمين، واختاره ليكون نذيراً وبشيراً للعالمين، وأنزل عليه هذا النور دون غيره من البشر.